جديد 4E

يا نديـــم الحيــــاة

رياض درويش

زرتُ اليوم ضريح أبي المربّي الفاضل نديم بدر درويش.

منذ نحو أربعة أشهر فارقنا، فلا الدموع نضبت، ولا الصبر تعافى.

أخرجتُ من جيبي – وأنا حول الضريح – ورقة، وكتبتُ هذه الأبيات:

أَسأل القلبَ: هل سيصحو الحبيب؟

ليتَ عقلي عن الجوابِ يَغيب

ربَّما يرحم الخيال عيوني

فأرى الطيفَ في الديارِ يجوبُ

يا نديمَ الحياة لو شئتَ عمري

ما تخلّت عن الفداءِ دروبُ

أنتَ أولى بأنْ تعيشَ وتُعطي

لا يدٌ عن يديكَ سوفَ تنوبُ

أرتدي زهوَكَ النبيلَ فأسمو

كلُّ غصنٍ إلى الجذور يؤوبُ

كيفَ وارى الترابُ كفّاً نديَّاً؟

كيف يُطوى السَّنا، وتُغشى الطيوبُ؟

حينَ يرمي القضاءُ بالسهم موتاً

أيُّ عدلٍ وأيُّ حقٍّ يجيبُ !!

كتبَ الله أن أصيرَ يتيماً

لم يكذّبْ شعورَ يُتمي المَشيبُ

عدتُ طفلاً يا والدي فاحتضنني

ودَعِ الطينَ بالدموعِ يذوبُ

نحنُ حول الضريح فاشرق علينا

نبضَ حبٍّ تضاءُ منه القلوبُ

هامش :

أول ما بدأتُ عملي الصحفي في عام / 1981 / كان الأستاذ رياض درويش رئيسا لقسم التحقيقات في جريدة الثورة، وهو محقّق صحفي بارع يشهد له كل من عرفه، وكان مبنى الصحيفة وقتها على أطراف حي القنوات في دمشق، خلف القصر العدلي.

كنتُ وقتها فتى صغيراً في العشرينات من عمري، أحبو في هذه المهنة بحماسٍ هادئ، في قلب عالمٍ سريعٍ واسعٍ وصاخب، وكنتُ على حذرٍ من أي خطوة .. وأخشى من العثرات، فأنا لا أريد في هذا العالم الصحفي الجميل أن أتعثّر ..

كان الأستاذ رياض على الرغم من مهابته .. لطيفاً جداً .. كنتُ أشعر أنه يحبني كما أحبّه .. من خلال بشاشة وجهه وابتسامته التي يقابلني بها دائماً .

وكعادة المبتدئين سرعان ما يطمعون بحنان العمالقة ورأفتهم، قلتُ في نفسي : سأقوم بإجراء تحقيق صحفي حول قضية تؤرّقني، كتبتُ التحقيق وقدّمته له على خجلٍ ووجل، وقلتُ في خلدي : إن رفضه فبالتأكيد سيقول لي ماذا عليّ أن أفعل..؟ وسيقدّم لي نصائحه التي ستفيدني في المرات القادمة.

تفاجأتُ في اليوم التالي أن لا قاني باسماً وهو يقول : ألله يعطيك العافية .. تحقيق جميل .. سأنشره لك غداً.

شكرته .. وشعرتُ أنّ الأرض لم تعد تحملني من فرحتي .. وأذكر يومها أنني لم أستطع النوم إلاّ عند بدايات الفجر وأنا أنتظر ساعات الصباح لأذهب إلى الجريدة وأرى تحقيقي منشوراً ، وقرّرتُ أن أفرح بذلك حتى وإن كان منشوراً بدون اسمي .. وأقنعتُ نفسي أنه من غير المعقول أن يُنشر التحقيق باسمي وأنا ما أزال حديث العهد في هذا العمل، حتى ولو أنني أعشقه ..

وصلتُ مبنى الجريدة .. تناولتُ عدد اليوم .. وفتحتُ صفحة التحقيقات بلهفة .. وإذ بالتحقيق منشور بالكامل وباسمي الصريح .. لم أكد أصدّق ما أراه ..!! ولكنها حقيقة .. وأمر بات واقعاً .. التحقيق صار منشوراً .. وباسمي .. وقد غدا موزّعاً على المدن وفي المكتبات والأسواق.

كم كان ذلك اليوم مفصلياً وممتعاً في حياتي .. كان يضاهي متعة القبلة الأولى التي هزّت كياني .. ومنحتني الكثير من السعادة والمتعة والانتعاش .

شكراً جزيلاً لك أستاذ رياض .. أيها المعلّم الجميل .. ورحم الله والدك .. ودمتَ لنا ذخراً .. وعنوان محبة.

علي محمود جديد