لماذا يترفّع الجيل الصاعد عن فرص العمل المتوافرة ويفضل الشهادات “الطنانة” السهلة وتمضية الوقت بالتسلية على ألعاب الجوال ..؟!
على صفحته الشخصية .. كتب الدكتور دريد درغام :
كثرت القضايا المعلقة ومقترحات حلول مكررة منذ زمن طويل عالمياً وإقليمياً ومحلياً؛ بعضها محق وبعضها أحق. فيما يلي نقاش حول مجال صغير جداً ولكنه قد يكون مهماً ومحقاً حول العمل والمعونة والزراعة:
أ. في كل عام يتكرر الحديث عن معونات محلية وخارجية وجمعيات تنشط لتوزيع ما يسد رمق البعض. كما يتكرر الحديث عن أهمية تشجيع الزراعة المنزلية وتقديم منح مجانية أو قروض بدون فائدة أو فائدة مدعومة وغيرها من المقترحات التي تكررت عبر السنوات السابقة وبدأت بالانتشار لدى شقيقتنا اللبنانية.
ب. أعداد المحتاجين في المدن أكبر بكثير منها في الريف واحتياجاتهم في المدينة أكبر بكثير بسبب تكاليف النقل والمعيشة وغيرها وغياب أية أراضي أو حدائق مجاورة يمكنهم زراعتها يشكل عقماً لمقترحات الزراعة المنزلية. كما تكتظ المدن لأنه مهما ساءت ظروفها إلا أنها تبقى أكثر إنسانية من العيش في معظم مناطق الريف القارس والذي يتميز بخدمات أقل من المدينة.
ج. تؤكد الإحصاءات للعقود والسنوات فيما قبل الحرب أن أعداد العاملين في الزراعة متناقصة باستمرار لصالح قطاع الخدمات غير المستقر والمتقلب في أرباحه وفرص العمل فيه. وتناقصت تلك الأعداد أكثر فأكثر مع سنوات الحرب.
د. تصر المنظومة التعليمية بشكلها الحالي على تأخير فرز الطلاب وتحويلهم إلى الزراعة والمهن حتى الصف التاسع. وهي فترة كافية لتشويه عقلية الجيل الصاعد الذي يترفع بعد فشله في المدرسة عن فرص العمل المتوافرة في الزراعة أو المهن ويفضل عليها الشهادات “الطنانة” السهلة وتمضية الوقت بالتسلية على ألعاب الجوال والحاسوب أو التفرغ للعالم الافتراضي بأشكاله المختلفة.
هـ. رغم حوارات مزمنة حول أهمية الصناعة الزراعية ما زال الاعتماد أكبر على التصدير المستور والمرئي وتحقيق ريع دولاري للبعض رغم مخاطر ارتفاع الأسعار المحلية.
و. نجحت منظومة القمح في مناطق الجزيرة بسبب المكننة والوفورات من المساحات الشاسعة والدعم الكبير أما باقي الزراعات في باقي المناطق فقد فشلت مع غياب التأمين الزراعي وتدني الدخول التي لا تسمح بتحمل مخاطر زراعة أي نوع من الخضروات أو البقول والعناية بها وتوضيبها ونقلها إلا على حساب المزارع والمستهلك المحلي.
ز. كان الإنفاق الحكومي وما يزال المحرك الأساسي لاقتصادات “الدوام” على حساب العمل؛ والخدمات الشكلية على حساب الزراعة.
ح. صعوبة أو نقص متابعة أو تقييم للتجارب التي جرت في مجال المنح والقروض وتوزيع البقر وغيرها من التجارب الناجحة أو الفاشلة.
بانتظار بلورة حلول كلية على مختلف “السويات” للمستقبل القادم، ونظراً للانخفاض الحاد في مستويات معيشة سواد الشعب يتطلب الأمر تشجيع الزراعة بعقلية مختلفة تأخذ بالاعتبار ما يلي:
1. تشجيع الموظفين المداومين والعاطلين عن العمل في المدن للعودة إلى الريف والعمل في مشاريع زراعية متكاملة تتطلب اليد العاملة الكثيفة مع دخول ثابتة من جهة ومشاركة بالأرباح بحيث يتحولون من متلقين للمساعدات إلى فاعلين في المجتمع ومنعشين لريف أُهمل بالكامل بسبب ثقافة مجتمع الخدمات غير الضرورية وثقافة المدينة سهلة المكاسب.
2. تغيير عقلية الاعتماد على الإنفاق الحكومي لإنعاش الاقتصاد؛ وإيجاد خطة متكاملة لتحويل رواتب المداومين إلى رواتب بطالة مع قروض تنموية تساهم في إنعاش الريف المستمر بتهجير أهله.
3. تشجيع العمل الجماعي من خلال تعاونيات وشركات زراعية تعمل من خلال مفهوم شركات بازغة مع أراض مخصصة أو قابلة للاستثمار “الجدي” برساميل تشجع عليها المصارف أو تمنحها الدولة وباقي الجهات المانحة بدلاً من المعونات الاستهلاكية المجانية بما يضمن للجميع أساليب عمل وإدارة تعتمد على مجالس إدارة متخصصة بدلاً من العمل الفردي الحالي في المزرعة أو الحقل أو البيت البلاستيكي أو الصناعة أو الخدمة الزراعية.
4. إزالة مختلف معيقات نقل عوامل الإنتاج بما فيها العمال والمنتجات الزراعية وغيرها والتأكد من مرورها السريع والمجاني من منطقة لأخرى وإيجاد منافذ لتصنيعها محلياً أو تصديرها للخارج.
5. إيجاد قنوات تجارية تسمح بالتنافس الشريف مع الدول المجاورة.
6. أهمية فرز طلاب المدارس بعد 5 سنوات من المرحلة الابتدائية وتوجيههم نحو التدريب الجدي على المجالات الزراعية والمهنية.
7. إعادة الاعتبار للعاملين والعاملات في المجال الزراعي من خلال تحسين مستويات عيش المزارعين والعاملين في الريف والموازنة بين ظروفهم وتحقيقهم لإيرادات ملائمة توازن بين كميات منتجاتهم ونوعياتها وأسعارها. وهذا يتطلب تغيير القيم السائدة الحالية التي تتناسى تأثير كل من الآتي:
أ. عدم انتباه الأهل للتأثير السلبي لإشغال أطفالهم عنهم بالأفلام والمسلسلات والتسالي الحاسوبية.
ب. تناقض مقومات العمل الزراعي والصناعي والخدمي “الجدي” مع قيم الجمال والأنوثة والذكورة بالمعنى الدخيل (العطر والأناقة ونعومة الأيدي ولون الشعر وشكل الوجه وعمليات التجميل وغيرها من قيم تفشت بكثرة في العقود الأخيرة)