جديد 4E

آنَ لهذه الغربة الوهميّة أن تنتهي بين الشعب ونوّابه ..!

لماذا نتجرّأ على المرشحين والنوّاب ونتهمهم بالتقصير  .. ؟ ونحن ألسنا مقصرين ..؟!

من يدير ظهره للآخر أكثر .. عضو مجلس الشعب ..؟ أم المواطن ..؟

هل يأتينا أي ضرر عندما تذهب قائمة ( شام ) وتسعى لمحاكاة هواجسنا ..؟!

السلطة الرابعة – علي محمود جديد

قبل كل شيء لا بد أن نكون واقعيين ومتفهمين لحقيقة بديهية، وهي أننا أمام أسبوع انتخابي .. أسبوع فقط له طبيعته وطقوسه الخاصة، ومن أبرز هذه الطقوس – بمقتضى الحال – الدعاية الانتخابية، وإصدار بيانات إفرادية للمرشحين، أو على شكل قوائم ليعبروا من خلالها عن توجهاتهم وأهدافهم، ولا يستقيم الأمر من دون هذه الدعاية الانتخابية، ليس عندنا هنا في سورية فقط، بل في كل أنحاء العالم، وفي مختلف الدول التي تكون فيها برلمانات ومجالس شعب.

أنتم بالتأكيد تعرفون ذلك جيداً، ولا نقول هذا الكلام من قبيل التوعية، وأنتم الذين تعونه أكثر منّا، وإنما من قبيل التذكير، لاسيما وأن البعض يحاول التناسي، ويتخذ مواقف سلبية مسبقة من أي دعاية انتخابية، فما أن يروا أي دعاية أو بيان حتى يباشروا بكيل الاتهامات لصاحبها، سواء عرفوا عنه شيئاً أم لم يعرفوا، وكأنه نوع من المشاكسة من أجل المشاكسة، ويتذرّعون بأنّ أداء مجلس الشعب ليس كما يجب، كما أن هؤلاء المرشحين ما إن ينجحوا حتى يديرون ظهرهم للناخبين، وينسوا كل ما قالوه ووعدوا به.

من يُدير ظهره للآخر ..؟

غير أن الأمر في الحقيقة ليس كذلك بالمطلق، فربما كلنا نتمنى أن يكون أداء مجلس الشعب أفضل وأقوى، ولكن هذا لا يعني أنه لا يفعل شيئاً، وأن لا دور لأعضائه، وأنه لا يمكننا أن نتفق وإيّاهم على طريقة معينة يمكننا من خلالها التواصل معهم وبكثافة، وخاصة مع وجود عالم الأنترنت والسوشيال ميديا، حيث تتوفر عبرها أفضل طرق التواصل، بالصوت والصورة والكلمة، وهذا أمر وارد، يمكننا أن نسعى إليه ونحققه، فنحن لنا دور بالتقرّب من أعضاء المجلس أيضاً، غير أننا نعفي أنفسنا من أي مبادرة، ونعيش معهم في غربةٍ وهميّة، ونريد من أعضاء المجلس أن يبادروا هم وحدهم للتقرّب منّا، لا بأس في ذلك ومن واجبهم أن يتقرّبوا، وهم ربما يفعلون ذلك أصلاً، ولكنهم لا يستطيعون أن يُحيطوا بكل الناخبين، ولا يستطيعون أن يقوموا بزيارتنا إلى بيوتنا بيتاً بيتاً، حتى يسألونا عن احتياجاتنا ومطالبنا ومشكلاتنا ليسعوا إلى حلها، وإن عمدوا إلى هذه الطريقة فإن كل نائب في محافظته لن يستطيع أن يزور أكثر من قرية وادعة .. أو حي صغير في مدينة، وما أن يُنجز الواحد منهم قرية أو حي، إلاّ ويكون الدور التشريعي قد انتهت مدته، واحسبوها جيداً لتروا أن هذا الكلام صحيح، فالنائب لن يستطيع في اليوم أن يزور أكثر من بيتٍ أو بيتين وربما ثلاثة، فهو سوف يصل ويستقبله أهل البيت ويتعرّفون عليه، ويضيّفونه فنجاناً من القهوة أو الشاي أو الزهورات أو أي شيء، ومن ثم يبدأ أصحاب البيت بشرح معاناتهم وبأدق التفاصيل حتى يعرف النائب كيف سيطرح المشكلة، وعلى النائب أن يُصغي جيداً، وأن يُسجل ملاحظاته ويطلب الأدلّة والقرائن – إن كانت المشكلة تحتاج إلى توثيق – وقد يكون في البيت الواحد أكثر من مشكلة، فهذا سيكون عملاً مرهقاً، ولن يجد النائب الوقت الكافي للإحاطة إلاّ بالقليل القليل من مشاكل الناس وهمومها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لن يكون قادراً على القيام بزياراته يومياً، فهناك اجتماعات في المجلس ومواعيد رسمية داخلية وربما خارجية لا يمكنه إغفالها، ومن هنا كان علينا نحن أن نبادر لابتكار طريقة يُتفق عليها، كاستثمار وسائل التواصل الاجتماعي فعلاً، أو السعي بشكلٍ دائم لتشكيل وفود منظمة بمواعيد محددة تذهب لملاقاة النواب وتطرح عليهم قضايا جماعية وعامة محددة، وأكاد أجزم بأن جميع النواب سيكونون مرحبين بذلك، ونكون نحن قد ساهمنا بشكلٍ حقيقي في تفعيل عمل مجلس الشعب، ونكون قد أوقدنا شمعة بالفعل، بدلاً من مثل هذا الخمول الذي لا نقوى على فعل شيء فيه سوى أن نلعن الظلام .. !  

علينا اختيار الأنسب والأكفأ

هذا كله يقودنا إلى النتيجة البديهية والتي تتمثّل بأن نقتنع وندرك ونتذكّر، أن لا بدّ من الانتخابات أولاً ، وبدلاً من أن نُضيّع الوقت بانتقاد صورة هذا المرشح وبيان ذاك، كان علينا أن نتفحّص هؤلاء المرشحين جيداً، ونسعى لاختيار الأنسب والأكفأ.

طبعاً عندنا وفي كل العالم أيضاً ليس بوسع الناخبين أن يعرفوا جميع المرشحين، ربما الواحد منّا يعرف واحداً أو اثنين أو ثلاثة، فما السبيل لنا كي ننتخب الأشخاص الذين لا نعرفهم ..؟

كيف ننتخب من لا نعرف ..؟!

أمامنا عدة طرق موضوعية، منها – مثلاً – السمعة .. ولكن السمعة الحقيقية، وليست تلك التي كما نظنها أحياناً، ومنها طبيعة العمل، فأنا كناخب قد يعجبني أن أنتخب قاضٍ لأنني أركن إلى هذه المهنة، أو ربما مدرّس أو صحفي أو رجل أعمال أو مهندس أو طبيب، إلى آخر ما هنالك، ومن الطرق أيضاً أن أسمع ثناءً من شخص أثق به على أحد المرشحين، ومن الطرق أيضاً اللجوء إلى البيانات الانتخابية التي يمكن من خلالها استشفاف نمط تفكير هذا المرشح أو ذاك، أو هذه القائمة أو تلك.. وقد أجد الكثير من الأفكار التي تُشكّل هواجس لديَّ أصلاً، وكي أكون منصفاً مع المرشحين ومع نفسي ومع وطني أيضاً .. عليَّ أن أفعل ذلك ومن ثم أقرر من أنتخب.

لماذا ننفي هواجسنا ..؟!

فمثلاً عندما تقول قائمة ( شام ) في محافظة دمشق في بيانها الانتخابي: (هناك الكثير مما يمكن فعله اليوم، وكل يوم، في سبيل خدمة المواطنين وتعزيز إمكانياتهم، وأننا جميعاً نكمل الدائرة ) ما الضير في هذا التوجّه ..؟ وأين الخلل فيه ..؟ .. في الحقيقة لا ضير ولا خلل .. وهذه هواجس الأغلبية فينا إن كنّا صادقين.

وما هي مشكلتنا مع هذه القائمة إن كانت تتوجه أيضاً نحو تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، والعمل على رفع المعاناة عن الشعب السوري، نتيجة الحصار الاقتصادي الظالم المفروض على سورية..؟ فهل أحد منّا لا يرغب بمثل هذا التوجه ..؟ لا نعتقد ذلك.

وما هي المشكلة أيضاً إن كانت هذه القائمة ( شام ) قد حثّت على أن نكون شركاء في صنع القرار، ووضعت برنامجاً تنفيذياً لخطتها أملاً بتحقيق أهدافها، ويتمثّل ( البرنامج ) بالعمل على تعزيز مكانة مجلس الشعب كمنبر أساسي لدعم قضايا المجتمع السوري بكل فئاته، وحماية المؤسسات الاقتصادية في مواجهة الحصار الاقتصادي الجائر على سورية، وذلك بالتوازي مع محاربة الفساد والهدر والاحتكار، والعمل على رفع معدلات دخل المواطنين كي تتناسب مع الاحتياجات المتزايدة للمعيشة ..؟

وما إلى هنالك من التطلعات التي تسكننا رغبات تطبيقها، حتى أن هذه القائمة تضع باعتبارها وتوجهاتها تعزيز قنوات التواصل والتفاعل بين أعضاء مجلس الشعب والمواطنين .. وهذه فرصة حقيقية أمامنا لتعزيز هذا التوجه بالشكل الذي أشرنا إليه سابقاً عبر تشكيل الوفود، أو وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن هذا لن يحصل ونحن جالسون نلعن الظلام، فتعالوا نغيّر ما بأنفسنا أولاً ونبدأ بإيقاد الشموع.

هامش معروف .. ولكن للتذكير فقط :

يقول كونفوشيوس .. الفيلسوف الصيني الذي تقوم فلسفته على القيم الأخلاقية الشخصية :

( أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام )