علي محمود جديد
لم يتفاجأ السوريون كثيراً على ما نعتقد باقتراف الولايات المتحدة الأمريكية لجريمتها المُعلنة بالطول وبالعرض، والمتمثّلة بإصدار قانون سيزر .. أو قيصر، ووضعه موضع التنفيذ، والذي تستهدف فيه لقمة عيش السوريين واحتياجاتهم وغذائهم ودوائهم، فما كنّا في سورية يوماً على وفاقٍ مع هذه الولايات .. ولن نكون على المدى المنظور، فمن يوم يومنا نشقُّ طريقنا على غير مساراتهم، وهم بعكس تيارنا سائرون، وكيف لنا أن نسير إلاّ بعكس مسيرهم وهم يحتضنون العدو الأول لنا عدوّنا الصهيوني الذي يحتلُّ أرضنا، ولا يخفي أهدافه العدوانية والتوسعية المبنية على إنهاء وجودنا، فنحن على ضفة وهم وعلى الضفة الأخرى، وما بيننا وبينهم وادٍ سحيق.
وفيما نحن لا نُمانع بمدّ بعض الجسور فوق هذا الوادي، هم يُصرّون على تقطيعها وتدميرها دائماً ونقلنا إلى خلفهم كي نسير ورائهم .. على قاعدة القبول بالعدو والاستسلام .. وهذا ما لا نطيق.
ولأننا لا نطيق اتجهوا نحو التدمير والحصار .. فكان قيصر، ونحن متشبثون بقراراتنا وحقنا وسيادتنا .. فكان الصبر والمقاومة، ونقتنع تماماً أن الحق يعلو دائماً ولا يُعلى عليه.
إنّ الشخص الذي صاغ قانون سيزر هو دون شك يمتلك عقلاً إجرامياً محترفاً، فلم يدع شيئاً يحتاجه المواطن السوري إلاّ وأتى عليه ويحاول منع وصوله إلى سورية، سواء عن طريق أفرادٍ أم دول، فنحن إذن قادمون – إن صحّ معهم تطبيق قانونهم – على جوعٍ ومرضٍ وشحٍّ في الحياة، لأن قانون سيزر يهدد كل من في الأرض أن يساهم بإيصال احتياجات سورية إليها، سواء كان دواء أو غذاء أو نفط أو غاز، أو تكنولوجيا، وكذلك قطع غيار السيارات، فضلاً عن الحصار المالي وكل ما يمكن أن تحتاجه الحكومة السورية.
لا شك بأن الولايات المتحدة ستبذل جهوداً كبيرة، وتتحمّل نفقاتٍ باهظة لتأمين تطبيق هذا القانون، كي تعرف جيداً وتطمئن على حجم الضغوط التي تطمح لأن تمارسها علينا هنا في سورية، وتطمئن أيضاً على زيادة عدد الفقراء والعاطلين عن العمل والمشردين على الأراضي السورية.
ولكن في الواقع كان الأولى بالولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من هذا النزوع الإجرامي تجاهنا، وبدلاً من الجهود والتكاليف التي ستبذلها من أجل حصارنا، أن تلتفت نحو مواطنيها الفقراء والعاطلين عن العمل والمشرّدين في شوارعها، فقد أوضحت الإحصائيات الأمريكية الرسمية أنّ هناك ما يقارب من 38 مليون مواطن يعيش حالة الفقر في الولايات المتحدة، كما يعيش تحت مستوى خط الفقر ما لا يقل عن 12 مليون طفل، أي ما يقرب من سدس الأطفال الأميركيين، ويحصل 14.3 مليون أميركي على كوبونات حكومية لشراء الطعام المدعم..!
ومن حيث البطالة هناك نحو سبعة ملايين أمريكي في سن العمل، ما يزالون عاطلون عن العمل، على الرغم من التبجّح الأمريكي بأن هذا العام يشهد أدنى معدلات للبطالة منذ تسع سنوات ..!
أمّا بالنسبة للمشردين الذين يفترشون الشوارع ومداخل الأبنية في الولايات المتحدة الأمريكية فيصل عددهم إلى أكثر من نصف مليون أمريكي ( 553 ) ألف مشرّد ..!
إنَّ هذه الإحصاءات ما هي إلاّ وصمة عارٍ على جبين الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما وأنها دولة عظمى لديها الكثير من المقدّرات الضخمة، ومع هذا تُهمل هؤلاء الملايين من مواطنيها ولا تكترث بفقرهم ولا ببطالتهم ولا بتشرّدهم، في حين تفعل كل ما تفعله من أجل حصار سورية وشعبها .. وبلا طائل ولا فائدة من حيث النتائج التي تأمل بتحقيقها .. فماذا بعدُ يا قيصر ..؟!!